Tuesday, January 11, 2011

الحركة الوهابية و القضاء على المشروع التنويري

الحركة الوهابية و القضاء على المشروع التنويري

بقلم : شيزوفرانيا 


في بداية القرن الثامن عشر و تحديدًا عام 1703 ولد محمد بن عبد الوهاب في مدينة العيينة بالسعودية، وكان أبوه من قضاة نجد لذا اهتم بتعليمه القرآن والفقه، ثم تلقى العلم بمكة والمدينة والبصرة بعد ذلك، وكان حال الجزيرة العربية في ذلك الوقت مزريًا على كل المستويات، حتى على المستوى الديني فقد انتشرت بينهم الخرافات التي نبذها الإسلام كالتبرك بالقبور والسحر والبدع الغريبة وما إلى ذلك، و بدأ محمد بن عبد الوهاب حركة إصلاحية تهدف للعودة إلى أصول الدين الإسلامي والذي كان سبب توحيد عرب الجزيرة في دولة سادت معظم أرجاء المعمورة لعدة قرون، وهناك ملاحظات هامة يجب ذكرها هنا، الأولى أن دعوة محمد بن عبد الوهاب تركزت في توضيح الفهم الصحيح للإسلام حسب المذهب الحنبلي، أي بالعودة إلى الوراء والتمسك بفكر سلفي أصولي يدعم وجهة نظره في أن هذا هو سبيل النهضة، الثانية أنه بدأ دعوته بشكل فوقي بعد أن يأس أن تؤتي الدروس التي كان يعطيها نتيجة فبدأ في مراسلة المشايخ الكبار ثم الأمراء الذين أبدى بعضهم استجابة وأهمل بعضهم الأمر برمته، الثالث أنه تجنب أي صدام مع أي سلطة، وذاع صيته بعد أن عاد لبلدته إثر حادثتين هامتين، الأولى أنه بعد أخذ الضوء الأخضر من الأمير عثمان بن معمر هدم قبة أقيمت على قبر زيد بن الخطاب أخو عمر و سواها بالتراب، والثاني أنه أقام الحد على زانية محصنة أتته معترفة بعد أن ردها أربع مرات بحسب السنة، و عندما علم أمير الإحساء بالأمر أرسل لأمير العيينة بقتل محمد بن عبد الوهاب الذي كانت تربطه به علاقة حميمة فأوعز إليه بالأمر فاضطر إلى الرحيل إلى الدرعية، كان أمير الدرعية محمد بن سعود من المعجبين بدعوة ابن عبد الوهاب ومن مشاركيه الرأي في أن هذا هو الطريق لإعادة مجد الدولة الغابر، وأعني العودة للفكر الأصولي، لذا بايع ابن سعود ابن عبد الوهاب على أن يقيم بالدرعية و يطلق دعوته منها، طبعًا وافق ابن عبد الوهاب المتحالف مع السلطة دائمًا في رأيي الشخصي، وعكف ابن عبد الوهاب بعد ذلك على تأليف المؤلفات والاستمرار بمراسلة الأمراء والأعيان وإرسال تلاميذه لربوع الجزيرة للدعوة إلى الوهابية الحنبلية، ولم يكتفي بالدعوة بالموعظة الحسنة إنما كل من كان يأبى بعد تبيان الشيخ كان يلجأ إلى القوة والإرغام، وظل الحال هكذا حتى وفاته عام 1791
في نفس الوقت وتحت نفس الظروف تقريبًا بدأت نهضة ضعيفة تلوح في الأفق بمصر، فالمماليك لم يكن لهم هم غير جمع الضرائب، والأزهر كان المؤثر الأكبر على الشارع المصري، وبدأت نهضة تجارية أهم محاورها هو تجارة الحبوب مع أوروبا، ساهم في تنمية هذه التجارة الموقع المتميز لمصر كمفصل يربط آسيا بأفريقيا ولا يفصله عن أوروبا سوى يومين من الإبحار السهل، حتى أن القنصل الفرنسي في مصر شارل مجالون قدم لحكومته عام 1798 مذكرة توصي بضرورة احتلال مصر، مبينًا أهمية استيلاء بلاده على منتجات مصر وتجارتها، ومعددًا للمزايا الكبيرة التي تنتظر فرنسا إن أسرعت باحتلال مصر، وبعد هذا التقرير بأيام قدم وزير الخارجية الفرنسي تاليران تقريرًا آخر أطنب فيه في تعديد مزايا غزو مصر حتى أن نابليون بونابرت قرة عين العسكرية الفرنسية بذاك الوقت ترأس الحملة عليها بنفسه، ومما يدلل على أن الحملة لم تستهدف تحقيق نصر عسكري فقط إصطحابها لنخبة من أفضل علماء فرنسا معها، إذ خطط الفرنسيون لتنمية شاملة مستغلين النهضة الوليدة في مصر، كما اصطحبوا مجموعة من الاشتراكيين الرومانسيين أتباع سان سيمون للتخلص منهم وإبعادهم عن فرنسا حيث كانوا أعلى أصوات المعارضة هناك، وبعد اندحار الحملة بقي هؤلاء الاشتراكيون في مصر آملين أن يتحقق حلمهم في تأسيس دولة علمانية اشتراكية في مصر، وقد وجدوا ضالتهم المنشودة في محمد علي الكبير، حيث كان عبقرية فذة برغم أميته، كما آمن بأفكارهم وتبناها، وساعدوه هم في بناء جيش حديث وتأسيس صناعة وطنية خالصة، وتجلى الفارق بين المشروع الوهابي والمشروع المصري عندما ألغى محمد علي العمل بأحكام الشريعة ولجأ لوضع قانون مدني ولائحة للسجون ولم يكتفي بالكتاتيب ومدارس العلوم الشرعية وأرسل البعثات للخارج، والمثير في الأمر أن الأزهر أيد محمد علي في خطواته ولم يكن هناك كلام في مصر عن الدولة الإسلامية وما أشبه، بل إن كثير من رجال الأزهر سافروا في بعثات الدولة للدراسة في أوروبا، لقد وضعت أسس لدولة علمانية بمباركة كل مؤسسات و طوائف الدولة بلا استثناء، وبطبيعة الحال أدرك محمد علي خطورة الحركة الوهابية على مشروعه التنويري كنقيض أصولي سلفي، فتطوع بإرسال حملتين للقضاء عليها كان على رأس الثانية إبنه بل وصل الأمر لأن شارك هو بنفسه في الحملة الثانية، و بالفعل تمت السيطرة على هذه الحركة تمامًا وحوصرت ولم يعد لها شأن يذكر خارج بعض القبائل وبشكل محدود للغاية، بعد ذلك ظهرت طموحات محمد علي لتأسيس دولة علمانية حديثة فحاربته الآستانة، لم تهتم أوروبا في بادئ الأمر حتى رفض محمد علي فتح التجارة أمام تلك الدول تبعًا لسياسة الاحتكار التي اتبعها، أدى ذلك لمساعدة فرنسا وبروسيا والنمسا وانجلترا للدولة العثمانية بموجب اتفاقية لندرة 1839 مما أدى لسقوط المشروع المصري وهزيمة محمد علي
إن ما لم تدركه أوروبا أن سقوط محمد علي بأطماعه يعني أيضًا سقوطه كمشروع تنويري علماني يتبع مبادئ الثورة الفرنسية، مما يعني بالضرورة صعود المشروع الوهابي الرجعي الأصولي المضاد، فوقعت الكارثة وعاود المشروع الوهابي الصعود مرة أخرى
بالطبع لم يكن بمقدور هذا المشروع تعدي حدود قبائل الجزيرة لولا ظهور عنصر جديد بعد عدة عقود، النفط وما أدراك ما النفط، إنه يعني المال الذي يفعل الأفاعيل، وطوال هذه الفترة لم يكن هناك بمصر باعتبارها أمل قيام مشروع نهضوي جديد لما بها من الكوادر أي حديث عن شريعة أو دولة إسلامية أو خلافة، بل كان هناك اتفاق غير معلن بين كل الأطراف على علمانية الدولة، حتى أن مصطفى النحاس أعلن ذلك صراحة في ظل تصاعد قوة الأخوان وأثناء حياة حسن البنا ولم يعترض الأخير ولا بالقول، ولم تحدث الردة الأصولية الراهنة غير بعد أن هجر نخبة المثقفين والمهنيين مصر وسوريا ولبنان إلى بلاد الرمال طلبًا للرزق في أول السبعينيات، وقد عادوا جميعًا بحقيبة نقود وحقيبة قيم سلفية نعتقد أن لها دور البطولة فيما نحن فيه الآن من تردى وجهل وفقر
لقد آن الأوان أن تعلم أوروبا ما جنته على أمة كاملة من أجل تحقيق بعض الأطماع فأدت لهزيمة مشروعها التنويري الوحيد و سمحت لقيم البداوة بتسيد الموقف، آن الأوان أن تفهم أنه لابد لها من مساعدة تلك الشعوب بقوة، ليس من أجل قيم الإنسانية فقط، بل تكفيرًا عن أخطاء الماضي التي تؤدي الآن لقتل الأبرياء

المراجع:

* موسوعة ويكيبيديا
* موقع إسلام أون لاين
* الشيخ محمد بن عبدالوهاب حياته وفكره – د. عبدالله بن صالح العثيمين
* تاريخ مصر الحديث – محمد مورو





حسنًا .. ربما يبدو هذا غريبًا، ولكن لنفهم ترابط العلاقات جيدًا يجب أن نتكلم قليلاً عن المادية الجدلية التي وضعها هيجل وطورها ماركس، المادية الجدلية هي القوانين الأكثر عمومية وشمولاً في الكون، وباختصار هذه القوانين هي:

1- قانون الترابط والتفاعل: مفاده أن كل الأشياء في الكون مترابطة و متفاعلة مع بعضها حتى تلك التي تبدو منفصلة تمامًا، ربما تعبر عن هذا المفهوم بوضوح فكرة تأثير ضربة جناح الفراشة التي قد تؤدي لإعصار على الجانب الآخر من الأرض.

2- التحول الشامل: كل الأشياء في الكون في حالة تغير مستمر بدون توقف، حتى بالنسبة للإنسان على المستوى الفسيولوجي فلو لقيتك بعد عشرين عام من الآن ربما ألاقي خلايا غير التي قابلتها في الماضي تمامًا، لا شئ يموت وإنما يتحول لعناصر أخرى تصب في الطبيعة وتظهر بصور متنوعة وهكذا

3- التغير الكمي الكيفي: إن المواد وكذلك المجتمعات تتغير كميًا بشكل تراكمي حتى لحظةٍ ما يحدث فيها تغير نوعي فتصير شئ آخر، مثلاً لو كان لدينا لتر من الماء وقسمناه لنصفين سيكون لدينا نصف لتر من الماء، ولو استمرت عملية القسمة سيكون لدينا ربع لتر من الماء فثمن لتر من الماء .. إلخ، حتى نصل لجزئ من الماء، هنا التغير مازال كميًا فالنوع ثابت وهو الماء ولكن لو قسمنا هذا الجزئ لن يكن هناك ماء بعد، سيحدث تغير نوعي (كيفي) و سيكون لدينا عناصر أخرى هي الهيدروجين والأكسجين، وبالنسبة لهذه الفكرة تطبيقًا على المجتمع فأوضح مثال لها هو نشوء الإسلام في الجزيرة، حيث بدأ بتغير في بعض أفراد المجتمع المكي فكريًا، وظل هؤلاء الأفراد يكثرون (كميًا) حتى حدث تغير كيفي في لحظةٍ ما فتغير المجتمع المكي كلية.

4- صراع الأضداد: وهو أكثر ما يخمنا من ذكر هذه المداخلة، فبموجب هذا القانون لا يمكن أن يوجد شئ في الكون إلا ويوجد معه نقيضه في نفس اللحظة، وتفاعل وصراع النقيضين يؤدي لظهور شئ جديد بالضرورة، ولكن هذا الجديد يأتي بنقيضه أيضًا، وتدخل قوة خارجية للقضاء على أحد النقيضين تعني انفجار النقيض الآخر وتضخمه محدثًا تغيرات داخله تسمح له بتوليد نقيض آخر لنفسه، إن صراع الأضداد يتمثل في عملية الاحتراق والعادم، في الحياة والموت، في الإقطاع والرق، في الرأسمالية والاشتراكية، في الحركة الوهابية الأصولية والحركة النهضوية التقدمية لمحمد علي ...

هناك نقطة أخرى ولكن لا يمكن اعتبارها من قوانين الجدل وإنما هي من مقولات ماركس المحورية:

(إن الوجود هو الذي يشكل الوعي وليس العكس)

وهذا يعني أن المادة سابقة على الأفكار، هذا لا يلغي دور الأفكار ولكنه يجعلها نتاج للوجود المادي، حتى تعود مرة أخرى كمُدخل جديد مادي ينتج وجود جديد

ما سبق هو أسس المنهج الماركسي التي تسببت في ظهور علم الاجتماع الحديث بكل ما قدمه لحياتنا، وهي مقبولة تمامًا حتى لدى ألد أعداء الماركسية كمذهب اقتصادي، وقد وجب التنويه

نعود الآن لموضوعنا و نتحدث في المداخلة القادمة عن الحركة الوهابية..



شيزوفرانيا

No comments:

Post a Comment