Tuesday, January 18, 2011

الإسلام ميتا

الإسلام ميتا

بقلم : وحيد غريب

في البداية لا بد لي أن أشكر أصدقائي الأعزاء في هذا المنتدى الذين شجعوني دائما على الكتابة وأبدوا إهتماما جميلا بكل ما كتبته , رغم أنني لم أكن ودودا دائما أو خفيف الظل , وشكري موجه بشكل خاص إلى زميليين عزيزين على قلبي بشكل خاص وهما الله و sam فأجمل تحية لهما  tulip  tulip
---------------------------------------------------------------------
يرجع تعبير الإسلام الميت إلى الباحث العراقي العظيم هادي العلوي للدلالة على الإسلام الحالي الغير قادر على العطاء من الناحية الحضارية الإنسانية , فالإسلام الميت الذي نعيشه حاليا هو عبارة عن مجموعة من الرواسب المشوهة وصلت إلينا من عصور موت الإسلام وتحلله الطويلة , وهذه الرواسب تختلف جذريا عن عصور كان الإسلام فيها حيا وقادرا على العطاء , وقد استخدمت في هذا الموضوع تعبير هادي العلوي هذا رغم اختلافي الشديد معه في تحليل طبيعة الإسلام الميت و تقدير دوره , ورغم ذلك لا أستطيع إلا أن أهدي هذه السطور شديدة التواضع إلى ذكرى هذا المثقف الشامل و الإنسان العظيم .
1- الإسلام من الحياة إلى الموت : 
عندما كان الإسلام حيا كان قوة حضارية قادرة على إعطاء الكثير , وعلى الرغم من أن العرب لم يعرفوا في البداية كتابا إلا القرآن إلا أن هذا القرآن أصبح في ما بعد المحور الذي تدور عليه معظم الكتب ,أو بالأصح أصبحت كل الكتب تحاول أن تكيف القرآن على هواها , مما أعطى لهذه الحضارة ذات الجذور و المصادر شديدة التعدد طابعا إسلاميا لا يمكن إنكاره أو تجاهله , وهكذا رضع الإسلام الحضاري من أثداء مختلف الحضارات , وغذت كيانه مختلف التيارات و الأفكار فأصبحنا نرى كما قلت في موضوعي السابق إسلاما مطعما بالفلسفة اليونانية أو بالتصوف الهندي أو بالمسيحية و اليهودية و الأديان الفارسية القديمة , وتحول الحامل الأساسي للإسلام وهو القرآن من كتاب يناسب عقليات البدو البسطاء و ينظم حياتهم إلى كتاب يستشهد به أرقى العلماء وتحاجج به أرقى الأفكار .
ولم يقتصر ما قدمه الإسلام على هذا بل أن الإسلام بطابعه الفضفاض قد أصبح مادة للتكييف الأيديولوجي من قبل مختلف القوى و الطبقات الاجتماعية حيث استعملته سلاحا قويا في مختلف صراعاتها السياسية و الطبقية , فأصبح الإسلام أيديولوجيا الطبقات الحاكمة كما أصبح الأيدولوجيا الثورية لمختلف أنواع الثوار .
إذن قدم الإسلام الكثير للحضارة البشرية وخلف لنا كنزا تراثيا لازلنا مقصرين بحقه , إلا أن الإسلام ما لبث أن توفي بشكل غير طبيعي تقريبا , ونحن لا نعرف الطرق التي كان يمكن للإسلام أن يتطور بها لو أنه واصل مسيرته الطبيعية فهذه المسيرة قد قطعت قطعا منذ اجتياح القبائل الغزية السلجوقية لأراضي الدول الإسلامية القائمة في ذلك العهد , ولست هنا في باب نقاش كيف مات الإسلام حضاريا  وكيف تحولت الكتب العربية من مستودعات للأفكار الراقية المبتكرة إلى مجرد حواش وشروح و شروح للشروح  , وكيف طغت الموجة السلفية لتغطي كل شيء وتغلق باب الإبداع و الحوار , ما يهمني هنا أن الإسلام قد مات وتجاوزه الزمن فأمسى غير قادر على أي عطاء وفات منذ قرون أوان أي محاولة لإحيائه , بل أصبحت مثل هذه المحاولة في أيامنا هذه محاولة كاريكاتيرية لا يمكن التعويل عليها .
لقد خلف لنا الإسلام بعد وفاته جثة ضخمه ترزح على صدورنا لتخنقنا خنقا , وهذه الجثة ككل الجثث الأخرى غير قادرة على العطاء الإيجابي بل هي دائما تلوث ما حولها بروائحها الكريهة و الديدان التي تنخر فيها , وقد أصبحت جثة الإسلام الميت أحد العناصر الأساسية لأزمتنا الحالية من ناحية البنية الفوقية لمجتمعاتنا , وسأحاول فيما يأتي تلخيص مشكلتنا مع الإسلام الميت .
2- بعض خصائص الإسلام الميت وأهم عناصر أزمته :
أ‌- إن من أهم خصائص الإسلام الميت عدم قدرته على أي إبداع أو ابتكار , وذلك لأن المنطلقات الإسلامية قد استنفذت كلها ولم تعد قادرة على إعطاء أي شيء , كما أن الإسلام فقد بعد عصور التحجر الطويلة واحدة من أهم ميزاته وهي مرونته وقدرته على استيعاب مختلف المؤثرات الحضارية بل وتكيفه بحسب هذه المؤثرات , ومع فقدان الإسلام لقدرته على الإبداع أصبحنا نرى تلك المحاولات المضحكة المبكية (( لأسلمة )) ابتكارات و إيداعات الغير ( الإعجاز العلمي مثلا بل و محاولة إيجاد الرواية الإسلامية و المسرح الإسلامي و الاقتصاد الإسلامي وإلى ما هنالك من هذا الهراء )
ب‌- العيش في الماضي : حيث يعيش الكثيرون على أمجاد الماضي , ويؤمنون بوجود عصر نموذجي لكل العصور من الأزل إلى الأبد وهو عصر الرسول وخلفائه الذين سموا بالراشدين , بل أن البعض يضعون بقية عصور الخلافة الإسلامية كعصور نموذجية من الدرجة الثانية , ووضع كل ما يقدمه الحاضر في قوالب هذا الماضي وقياسه بمقياسه .
ت‌- التقوقع الذاتي و التشبث بمقولات الطبائع الثابتة وصراع الإسلام مع الغرب الصليبي , حيث ينظر إلى كل تأثير خارجي على أنه مؤامرة .
ث‌- رفض القيم الحداثية و التقدمية بل ورفض مفهوم التقدم الإنساني بحد ذاته حيث يدور التاريخ حسب هذا المنظور في دوائر ثابتة لا يمكن تجاوزها , والتراجع عن القيم الحداثية و التقدمية للأسف لم يعد قاصرا على الإسلام الميت بل هنالك تراجع عام على الصعيد العالمي عن هذه الأفكار في إطار أزمة تحلل الفكر البرجوازي في الدول الرأسمالية المتقدمة .
ج‌- للإسلام الميت الكثير من التيارات فهنالك المتطرفون بمختلف ألوانهم و هنالك المعتدلون بمختلف أصنافهم وكلا الاتجاهين يرفدان من نفس الكيان المتعفن أي الإسلام الميت , فلا يمكننا التعويل على مايسمى بالإسلام المعتدل في إيجاد نهضة من داخل كيان الإسلام الميت .
ح‌- الإسلام الميت يعطي سلاحا أيديولوجيا للجماهير الشعبية للتعبير عن معارضتها لظروفها السيئة من الفقر و القهر و الاستغلال فضلا عن تقدم المشروع الإمبريالي في بلدانها بل إن الإسلام الميت هو أيديولوجيا معظم حركات المقاومة ضد الاحتلال , إلا أن الإسلام الميت لا يمكن أن يقدم لهذه الجماهير أي أيديولوجيا تحرر حقيقية بل هو عامل أساسي في تفعيل أزماتها .
أما أهم عناصر أزمتنا مع الإسلام الميت فهي :
1- انتشار الإسلام الميت بأكثر أشكاله سوء بشكل كبير بين الناس فيما يعرف باسم الصحوة الإسلامية بعد انهيار كل البنيات الحداثية المستوردة التي حاول الحداثيون إقامتها في مجتمعاتنا بما فيها حتى مفهوم الدولة الوطنية .
2- فشل المشاريع القومية و اليسارية في فرض بديلها الثقافي (إن وجد حقا ) عوضا عن الإسلام الميت , ومع فشل هذه المشاريع وظهور انتهازية معظم أقطابها ازداد تشبث الناس بالإسلام الميت .
3- وجود طبقة تقليدية مستغلة راعية للإسلام الميت وساعية إلى ازدياد ترسخه بين الجماهير وهذه الطبقة تمتلك إمكانيات مادية هائلة ولها مصلحة كبرى في ترسيخ وتقوية الإسلام الميت .
4-يلعب الإسلام الميت الدورالأكبرفي تشكيل هويتنا الحضارية , وهذه لعمري طامة كبرى فالإسلام جيد جدا كتراث أما عندما يكون المكون الأساسي لهويتنا المعاصرة فنحن نجد أنفسنا في أزمة حضارية كبرى وهي أزمة مع الذات في المقام الأول . وهذا الموضوع يحتاج الكثير من التحليل و النقاش .    
طبعا كل ما كتبته مليء بالنواقص , فأنا أحاول أن أعالج مواضيع شديدة الضخامة و التعقيد في سطور قليلة , كما أنني أقتصر في تحليلاتي على البنية الفوقية متجاهلا البنية التحتية للمجتمع وهذا في عرف الماركسية خطأ قاتل , إضطرتني إليه ضرورة الإختصار بقدر الإمكان , ولذلك أعتقد أنه من المفيد أن أضع هنا رابطا لموضوع قديم لي كتبته في منتدى اللادينيين العرب يتحدث بشكل عام عن الأسباب المادية لتخلفنا وهو (( إشكالية التخلف من منظور ماركسي )) :
http://www.ladeeni.net/forum/viewtopic.php?t=10325
كما انه من المفيد أيضا أن أضع رابطا لموضوعي الأول في هذا المنتدى
((معاداة الإسلام على الطريقة النيوليبرالية )) وخاصة ما كتبته في الصفحة الثانية من ذلك الشريط حول الحضارة الإسلامية :
http://173.212.222.115/forum/viewtopic.php?t=1596&start=0&postdays=0&postorder=asc&highlight=
وبالطبع هنالك في النهاية قضية كبيرة لا بد من مناقشتها وهي الإسلام الميت و هويتنا الحضارية وربما أناقشها في هذا الشريط أو أفرد لها شريطا خاصا .

تحياتي للجميع  tulip  tulip  tulip





الموضوع الأصلي

1 comment:

  1. ﺍﻫﻠﺎ ﺑﻴك ﺍﻧﺎ ﻫﺬﻛﺮﻟﻚ ﺍﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﺍﻟﻌﻆﻴﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻠﻲ ﺳﻴﺎﺩﺗﻚ ﺃﺳﻤﻴﺘﻪ هراء ﺍﻟﻠﺬﻱ ﻋﺠﺰ ﻋﻠﻤﺎﺋﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻮﺍ ﻣﺎ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺄﻳﻪﺃﻟﺎ ﺑﻌﺪ أ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻲ ﺑﻴﻨﺎ ﺍﻟﺎﻛﺮﻡ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﻋﺎﻡ ﻓﻰ ﺳﻮﺍﻝ ﻟﻪ ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺑﺪﻳﻬﻴﻪ ﻣﺎﻫﻮ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﺄﺭﺽ ﺳﺘﻨﻂﻖ ﺑﻠﻬﻔﻪ ﺇﻟﺤﺎﺩﻳﻪ ﻛﺮﻭﻳﻪ ﺛﻢ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﺍﻧﻪ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﺃﻛﺘﺸﻒ ﻋﻠﻤﺎﺀ الفضاء ﺍﻟﻔﻀﺎﺀﺃﻧﻬﺎ ﺑﻴﻀﺎﻭﻳﻪ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺒﻴﻀﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﺣﻪ ﻭﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﻗﺪ ﺍﺛﺒﺖ ﺍﻧﻬﺎ ﺑﻴﻀﺎﻭﻳﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻠﻮﻣﺎ ﻟﻠﻔﻀﺎﺀ ﺍﻧﻆﺮ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺎﻳﻪ ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺍﻟﺎﺭﺽ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺩﺣﺎﻫﺎ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻆﻴﻢ ﻭﺻﺪﻕ ﺭﺳﻮﻟﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺩﺣﺎﻫﺎ ﺍﻱ ﺟﻌﻠﻬﺎ بيضاويه و

    ReplyDelete