Sunday, January 16, 2011

البابا و تفسير القران

البابا و تفسير القران

من http://ar.danielpipes.org | المقالة الأصلية متاحة في: http://ar.danielpipes.org/article/3297
البابا و تفسير القران

بقلم دانيال بايبس
نيو يورك صن
17 يناير 2006

كان من المتوقع أن يكون الإسلام و المسلمون قمة أولويات البابا بيندكت السادس عشر ,إلا انه لم يحرك ساكنا بهذا الشأن خلال الأشهر التسعة الأولى من توليه منصبه . إلا أن تقريرا وحيدا يفيد بإعطاء بعض التلميحات حول ما يفكر به حاليا .

روى الأب جوزيف د.فسيو في برنامج هاف هيوت تفاصيل الحلقة الدراسية التي حضرها مع البابا في أيلول 2005 حول الإسلام . حيث سمع الحضور بأفكار عالم اللاهوت الليبرالي باكستاني المولد المدعو فازلر رحمن (88-1919), القائلة بأنه لو أعاد المسلمون تفسير القرآن كليةً عندها يصبح بالإمكان تحديث دين الإسلام.

و حضّ على التركيز على المبادئ الكامنة وراء التشريع القرآني مثل الجهاد ,و قطع أيدي السارقين , و تعدد الزوجات , بغرض تعديلها لتناسب احتياجات العصر.وقد استنتج هذا العالم انه إذا قام المسلمون بفعل ذلك حقا فسيكونون قادرين على الازدهار و العيش بتناغم مع غير المسلمين .

إلا أن ردة فعل البابا بيندكت كانت قوية تجاه هذا الطرح - لقد اعتاد البابا على عقد مثل هذا النوع من الحلقات منذ عام 1977 . لكنه اعتاد أيضا أن يترك المجال للآخرين ليطرحوا ما عندهم أولا , ومن ثم يقدم ما لديه من تعليق . لكن لم يتمالك أعصابه إزاء سماعه تحليل فازلر رحمن – بحسب ما يستذكر الأب فيسيو .

قال الأب : هذه المرة الأولى التي يقوم فيها البابا بتصريح فوري –بحسب ما اذكر . إني لأعجب من قوة هذا التصريح ... فقد قال الأب المقدس , بطريقته الهادئة الجميلة و الواضحة , حسنا , هناك مشكلة أساسية في هذا (التحليل) لأنه في العرف الإسلامي , أعطى الله كلمته إلى محمد , لكن هذه الكلمة أبدية وهي ليست كلمة محمد , فهي موجودة إلى الأبد مثلما نزلت دون تغيير ولا مجال لتعديلها أو تفسيرها ..وهو جوهر الخلاف بين الإسلام

و المسيحية و اليهودية . ففي هاتين الديانتين " عمل الله من خلال مخلوقاته . لذا فهي ليست كلمة الله وحدها بل هي كلمة عيسى , ليست كلمة الله و حسب , بل كلمة مارك , فقد استخدم الخالق مخلوقه الإنسان و أوحى إليه لينطق بكلمته إلى العالم" . إن اليهود و المسيحيون " قادرون على انتقاء ما هو حسن" من تقاليدهم وقولبته . بمعنى آخر , هناك " منطق داخلي يحكم الإنجيل المسيحي , يجيز له و يتطلب أيضا تعديله و تطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة ".

بالنسبة لبيندكت , حيث أن الإنجيل" كلمة الله التي أوصلها عبر المجتمع الإنساني" فانه يفهم القرآن على انه

" شيء سقط من السماء ولا يمكن تعديله أو تطبيقه" ولهذا الجمود عواقب وخيمة لأنه يعني أن " الإسلام قد علق , انه عالق في شرك النصّ الذي لا يمكن تعديله ".

إن سرد الأب فيسيو المفاجئ يستدعي اثنين من ردود الأفعال . الأولى , هذه التعليقات قد صدرت في حلقة دراسية خاصة بحضور تلامذة سابقين و ليس أمام العموم . وكما أشار سبنغلر من تايمز آسيا , حتى البابا " عليه أن يهمس" عندما يتعلق الأمر بمناقشة دين الإسلام . فهي إحدى علائم العصر .و ثانيا , ينبغي عليّ إشهار معارضتي . فالقرآن قابل للتفسير , كما فعل ذلك المسلمون مثلهم مثل اليهود و المسيحيين عندما قاموا بتفسير الإنجيل , ولم تتغير هذه التفاسير مع الوقت . إن القرآن مثل الإنجيل , له تاريخه الخاص .

يمكن الاستشهاد على ذلك بطريقة تفكير عالم اللاهوت السوداني محمود محمد طه (85-1909).لقد بنى طه تفسيره على تقسيم القرآن اصطلاحيا إلى جزأين . فالنصوص الأولى نزلت على محمد عندما كان في مكة نبياً لاحول له ولا قوة , غلبت عليها صفة التفكير بالكونيات . و أما النصوص اللاحقة فقد نزلت عليه عندما حكم المدينة , و تضمنت العديد من القوانين المحددة التي شكلت في النهاية أساس الشريعة أو ما يمكن تسميته القانون الإسلامي .

يقول طه بان هناك قوانين قرآنية محددة كان العمل بها مقتصرا على المدينة و حسب , لا لأزمنة و أمكنة أخرى . وهو يأمل أن يتمكن مسلمو اليوم من تجاوز هذه القوانين ليعيشوا وفق المبادئ العامة التي أوحيت إلى الرسول في مكة . لكن في حال لاقت أفكار طه هذه قبولا فان معظم الشريعة ستختفي بما في ذلك الأحكام التي عفا عليها الزمن و المتعلقة بالنضال , السرقة و النساء. عندها سيكون المسلمون أكثر استعدادا و انفتاحا على الحداثة .

حتى دون موافقة المسلمين على خطة بهذه الخطورة , فإنهم قد قاموا بالفعل بخطوات خجولة في نفس الاتجاه . مثال , المحاكم الإسلامية في إيران المعروفة برجعيتها , قد كسرت التقليد الإسلامي لتأذن للنساء بحق طلب الطلاق و تمنح المقتول المسيحي تعويضات مساوية للقتيل المسلم .

مدلول ما تقدم أن الإسلام ليس عالقا , إلا انه بحاجة للقيام بجهود هائلة لحثه على التقدم بحركة ثانيةً.


المقالة الأصلية متاحة في:


http://ar.danielpipes.org/article/3297


---------------------------------------------------------------------------------


نص كلمة البابا ...

سيداتي سادتي ..
إنها للحظة مؤثرة بالنسبة لي أن أكون مجدداً في هذه الجامعة وأن يسمح لي بإلقاء محاضرة مرة أخرى. في هذه الإثناء تعود بي أفكاري الى السنوات الماضية التي بدأت فيها عملي في جامعة بون بعد فترة جميلة من عملي كأكاديمي في معهد فرايزينغ ..... كان من الواضح ان كلتا الجامعتين، من خلال طرحهما تساؤلات عن عقلانية الإيمان،  تؤديان عملاً يتعلق بحدود العلوم   الكونية، حتى لو لم يكن بمقدور الجميع الإيمان بنفس المعتقد. وهنا يحاول علماء اللاهوت تناول قضايا الكون بحكمة وربطها بقضايا عقلانية عامة .......
إحدى المسائل الخلافية التي كانت سائدة في الجامعة تمثلت في مسألة
الإبقاء على موقف يتسم بالحتمية والعقلانية أمام سوء الظن المتطرف
والسؤال عن الرب عن طريق العقل والقيام بذلك في سياق موروثات الديانة المسيحية..
تذكرت كل هذا مجدداً عندما قرأت مؤخراً جزءاً من الحوار الذي نشره الأستاذ تيودور خوري من جامعة مونستر والذي جرى في المقر الشتوي للإمبراطور البيزنطي واسع العلم والإطلاع مانويل الثاني قرب أنقرة عام 1391 وبين واحد المثقفين الفرس حول الإسلام والمسيحية وحقيقة كل منهما. ويبدو ان القيصر دوّن الحوار أثناء حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402. ويفهم من هذا أيضا أن أقواله قد نقلت بشكل أكثر تفصيلاً من كلام محاوره الفارسي. امتد الحوار ليشمل المساحة الكاملة لتركيبة الايمان المنصوص عليها في الإنجيل والقرآن؛ كما ان حوار دار بشكل خاص حول صورة الرب والإنسان بالإضافة الى وجوب التطرق الى العلاقة بين "القوانين الثلاثة" أو كما يقال "أنظمة الحياة الثلاثة": العهد القديم والعهد الجديد والقرآن. لا أريد التطرق الى ذلك هنا في هذه المحاضرة، بل الى نقطة هامشية وردت في سياق الحوار والتي سحرتني فيما يتعلق بموضوع الإيمان والدين. تعتبر هذه النقطة منطلقاً لتأملاتي في هذا الموضوع.
في جولة الحوار السابعة المنشورة من قبل الأستاذ خوري والمسماة(قضايا خلافية)، يتطرق الإمبراطور إلى موضوع الجهاد أو الحرب المقدسة. كان الإمبراطور يعلم بالتأكيد ان هناك آية في القرآن تنص على أن لا إكراه في الدين، وهي احدى الآيات المبكرة التي، كما يروي لنا أهل العلم، أتت في وقت كان فيه محمد نفسه ضعيفاً ومُهددا. ولكن الإمبراطور كان على دراية أيضا بالنصوص الأخرى المتعلقة بالجهاد والتي ظهرت في مرحلة لاحقة. وبدون الخوض في تفاصيل التعامل المختلف بين أهل الكتاب والكفار، يتطرق الإمبراطور بشكل فظ ـ الأمر الذي فاجئنا وأثار دهشتنا ـ إلى العلاقة بين الدين والعنف في حواره مع الفارسي، إذ يقول له: "ارني ما الجديد الذي أتى به محمد، انك لن تجد سوى الأشياء السيئة واللاإنسانية، مثل فرضه نشر الإيمان، الذي يبشر به، بقوة السيف." بعد ان قال الإمبراطور مقولته، أخذ يقدم بالتدريج اسباب قوله هذا، متسائلا : لماذا يعد نشر الإيمان بالقوة مناف للعقل؟ فنشر الدين بالقوة يتعارض مع جوهر الرب وجوهر الروح. ويضيف
الإمبراطور بالقول: " ان الرب لا يُسترضى بسفك الدماء. وان عدم الاحتكام الى المنطق يتنافى مع الذات الإلهية. ان الإيمان ثمرة الروح وليس ثمرة الجسد. ومن يريد ان يهدي احدهم الى الإيمان، يحتاج القدرة على الكلام الطيب والتفكير السليم، ولكن ليس الى القوة والتهديد (...) ولإقناع روح تحتكم الى العقل، لا يحتاج المرء لذراعه ولا لعدة القتال أو لأية وسيلة أخرى يمكن ان يهدد بها إنسانا ما ...
ان الجملة الحاسمة في هذه الحجة القائمة على معارضة الهداية باستخدام
العنف تتمثل في ان التعامل غير العقلاني مع الامور يتعارض مع الذات
الإلهية. وهنا علق الناشر، الأستاذ تيودور خوري، على ذلك بالقول: "بالنسبة للإمبراطور، باعتباره بيزنطي ملم بالفلسفة الإغريقية،
تعد هذه الجملة بمثابة حقيقة لا لبس فيها. أما الفقه الإسلامي فيرى على
العكس من ذلك ان الخالق يسمو على هذه المفاهيم وأن إرادته لا ترتبط بأي مقياس من مقاييسنا، حتى لو تعلق الأمر برجاحة العقل. ويقتبس خوري في هذا الخصوص عملاً لأحد المختصين بالدراسات الإسلامية وهو  ر. ارنالديتس، الذي أشار الى ان ابن حزم ذهب بعيدا فى توضيحه لهذه الاشكالية الى حد قوله ان الخالق لا يقاس حتى بكلمته، كما أن ليس هناك شيء يلزمه بان يوحي لنا بالحقيقة، حتى إذا أراد منا يوماً ما أن نعبد الأوثان فعلينا أن نرضخ لإرادته .....



------------------------------------------------------------------------------


مقال قد يثري الموضوع  http://www.rezgar.com/sc/default.asp
ردود أفعال المسلمين على خطاب البابا بنيدكس السادس عشر
كامل النجار


لم يكن الإسلام في يوم من الأيام يتحمل النقد أو المعارضة، ولم يفهم المسلمون منذ أول يوم في بداية الدعوة، أن النقد قد يكون هادفاً وبنّاءً وقد يساعد على تطور وتقدم الفكر الإسلامي. ومنذ القرن الرابع عشر حينما أعلن فقهاء بغداد قفل باب الاجتهاد، أصبح على المسلم إما أن يقول ما يمجد الإسلام، حتى إن كان زوراً، أو يصمت، لأن أي زلة لسان سوف تؤدي به إلى أوخم العواقب. ومنذ ذلك الحين أصبح المسلمون أمةً من الببغاوات تردد ما تسمعه دون أن يكلف المسلم نفسه عناء قراءة ما يريد أن يهاجم، فالسمع يكفي. وقد كفى السمع أغلبهم عندما سمعوا أن البابا بنيدكس السادس عشر قد هاجم الإسلام، فانبرت الأقلام للهجوم عليه وتفتحت الحناجر لوصفه بالجهل، نفس الصفة التي يصفون بها المسلم الذي ينتقد الإسلام. وأنا على يقين أن ليس منهم من قرأ أوسمع خطاب البابا الذي ألقاه في جامعة ريجنسبرج بألمانيا يوم 12 سبتمبر 2006 أمام الآلاف من طلبة وأساتذة الجامعات. وقد كان عنوان خطابه "الإيمان والعقل..ذكريات وتأملات"، فقد كان البابا أستاذاً بنفس الجامعة قبل أن ينتقل إلى الفاتكان بروما. فماذا قال البابا؟
قال البابا إنه: ( قرأ المقدمة التي كتبها البروفسور ثيودور خوري عن المناظرة التي جرت عام 1391م بالقرب من أنقرة بين الإمبراطور البيزنطي عمانويل الثاني ورجل مسلم متعلم من الفرس. وكان موضوع المناظرة هو هو المقارنة بين الإسلام والمسيحية والحقيقة في كليهما. ودارت المناقشة حول الإيمان في الإنجيل وفي القرآن، وركّز على مفهوم الله في الديانتين وعلى القوانين التي احتوتها كتب التوراة والإنجيل والقرآن. في الحلقة السابعة من المناظرة تطرق الإمبراطور إلى مفهوم الجهاد، ولا بد أن الإمبراطور كان يعلم عن الآية 256 من سورة البقرة التي تقول " لا إكراه في الدين". ولا بد أن الإمبراطور كان يعلم الآيات والقوانين التي أتت مؤخراً في الإسلام بخصوص الجهاد. وقد سأل الإمبراطور مناظره وقال له: أرني الجديد الذي أتى به مخمد وسوف تجد فيه كل الأشياء الشريرة وغير الإنسانية مثل تعاليمه بنشر الإسلام بحد السيف. وزاد الإمبراطور فقال: العنف لا يتلاءم مع طبيعة الله ولا مع روح الإنسان. إن الله لا يسره منظر الدماء. والأفعال غير المنطقية تتناقض وطبيعة الله. والإيمان ينبع من الروح وليس من الجسد. فمن أراد إقناع شخص ما بعقيدة ما فعليه أن يستعمل المنطق ويبتعد عن العنف.)
واستمر البابا فقال:( إن الرسالة المهمة التي نخلص بها من هذه المناظرة هي: أن العمل بما هو غير منطقي يتعارض مع طبيعة الله. والرسالة التي استخلصها البروفسور خوري هي أن الإمبراطور البيزنطي الذي كان قد تشبع بالأفكار الإغريقية قد اعتمد على الفلسفة المسيحية التي تشبعت بدورها بالتعاليم الهيلينية، ولذلك قال الإمبراطور ما قاله. ولكن بالنسبة إلى المسلمين فإن الله هو الأعلى Transcendent ولا تحده حدود منطقنا وعقولنا. وذكر البروفسور خوري أن ابن حزم كان قد قال: إن الله لا تحده حتى حدود كلمته ولا شيء يجبره على إظهار الحقيقة لنا لدرجة أنه لو كانت مشيئته أن نعبد الأصنام لعبدناها.)
واستمر البابا فقال: (إن أول شيء قاله القديس يوحنا في الإنجيل هو: في البدء كانت الكلمة Logos والكلمة "لوقوس" تعني العقل كما تعني الكلمة نفسها. ولذا كل تصرف بغير العقل مضاد لطبيعة الله.)
واستمر فقال: ( في القرون الوسطى ظهرت في المسيحية أنواع من الدعوات والأفكار أدت إلى انفصال روح المسيحية عن روح الفلسفة الإغريقية. ففي المضاد للأفكار النيرة التي عُرف بها القديس أوجستين St Augustine والقديس توما الأكويني، ظهرت أفكار دنص اسكوتس Duns Scotus التطوعية التي تقول إننا فقط تعرف عن الله ما تطوع بإخبارنا به، وما بعد ذلك هي مملكة الله التي يمكنه أن يفعل فيها عكس ما كان قد فعل خارجها.وهذا يؤدي إلى شيء شبيه بما قاله ابن حزم، ويمكن أن يؤدي إلى إله كاذب لا يلتزم الحقيقة. والله لا يمكن أن يكون أكثر قداسة وتأليهاً عندما نرفعه بعيداً عنا في إطار النظرة التطوعية، ولكن الرب الحقيقي هو الذي أبدى نفسه في هيئة الكلمة "لوقوس" وعمد وما زال يعمد إلى حبنا.)
ثم تحدث البابا عن المسيحية وكيف أنها فقدت صفتها الهيلينية الإغريقية في أوربا على مراحل حتى اختضنت الفلسفة البحتة والعلوم الطبيعية. وقال إنه يجب إرجاع المسيحية إلى بساطتها التي تبدت في المسيح أي اللوقس.

وهذا، اختصاراً، هو خطاب البابا. فهل قرأه المسلمون قبل أن يحملوا سيوفهم الدونكشوتيه ويركبوا صهوة خيولهم ليحاربوا طواحين الهواء؟ وهم حتماً لم يطلعوا على خطاب البابا واعتمدوا على السمع من غيرهم. فالخطاب ليس فيه أي نقد للإسلام كدين إنما انتقد فكرة الجهاد المقدس والعنف لنشر الدعوة، وعدم الاعتماد على العقل عندما يتطرق المسلمون إلى الخطاب الديني. والبابا لم يقل شيئاً من عنده ضد الإسلام وإنما روى ما حدث في الماضي من مناظرات، وهي موجودة في كتب التاريخ. فهل نحرق كتب التاريخ حتى لا يطلع البابا عليها وينقل منها؟ ولماذا لم يحتج المسلمون على الكتب التاريخية التي حملت هذ المقولات؟ بالطبع هم لم يقرأوا هذه الكتب ولم يسمعوا بما فيها إلا بعد أن ذكره البابا.
فما الذي انصب عليه غضب المسلمين في هذا الخطاب؟ ففي الرياض، أعربت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن أسفها الشديد لما ورد على لسان بابا الفاتيكان، وتجاهله بشكل متعمد مبادئ الإسلام السمحة وتعاليمه الإنسانية التي تحث على المحبة والسلام لا العنف والبغضاء.
فهلا تكرمت الأمانة العامة وقالت لنا ما هي هذه التعاليم السمحة التي تحث على المحبة والسلام. هل هي تعاليم الولاء والبراء التي ظل الفقهاء يرددونها على مدى أربعة عشر قرناً، والتي تقول من تشبه بالكفار فهو منهم؟ أم هي الأسوة الحسنة في إبراهيم "قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده" (الممتحنة، 4). فأسوة المسلمين الحسنة هي العداوة والبغضاء لمن لا يؤمن بما يؤمنون به.
أما الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر، فقد عبر عن ( بالغ استيائه لما نسب لبابا الفاتيكان. وقال طنطاوي في بيان أصدره أمس إن الازهر يؤكد أن هذه التصريحات تنم عن جهل واضح بالاسلام وتنسب إليه ما ليس فيه ولا تسهم على نحو بناء في تعزيز الحوار بين أديان العالم وحضاراته وثقافاته) (الشرق الأوسط، 16 سبتمبر 2006). وأعتقد أنه من الجهل أن ننسب الجهل إلى رجل كان أستاذ الثيولوجي بجامعات إلمانيا لعدة سنوات. فما ذا نسب البابا إلى الإسلام حتى يرميه شيخ الأزهر بالجهل.؟ هل كونه قال إن الإسلام كان قد انتشر بحد السيف يجعله جاهلاً؟ فدعونا نسمع ما قاله المسلمون أنفسهم عن انتشار الإسلام بخد السيف. فعندما رجع النبي من ا لطائف إلى مكة وضحك عليه القرشيون لعدم تمكنه من إقناع أهل الطائف بدينه، قال لهم: (واما انتم يا معشر الملإ من قريش؛ فوالله لا ياتي عليكم غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون وانتم كارهون. ( تاريخ الطبري، ج2، ص555). فهاهو النبي تفسه يقول إنهم سيدخلون في الإسلام مكرهين، وقد حدث يوم فتح مكة فأسلم كل من كان بمكة في يوم واحد. أنه منطق عظيم ذلك الذي فشل في إقناعهم هلى مدى عشرين عاماً ثم أسلم كلهم في يوم واحد. ويقول الشيخ بن باز عن أهل الكتاب والجزية: (أما من سواهم {أهل الكتاب} فلا بد من الإسلام أو السيف) (فتاوى بن باز، ج3، ص 156). ويقول ابن القيم الجوزية في زاد المعاد: ((ثم بعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت بثُمَامَةَ بنِ أُثال الحنيفى سيِّد بنى حنيفة، فربطه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى ساريةٍ من سوارى المسجد، ومَرَّ به، فقال: ( مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ) ؟ فقال: يا مُحَمَّدُ؛ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإن تَنْعِمْ تَنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المال، فَسَلْ تُعطَ منه ما شئتَ، فتركه، ثم مرَّ به مرة أخرى، فقال له مِثْلَ ذلكَ، فردَّ عليه كما رَدَّ عليه أولاً، ثم مرَّ مرةً ثالثة، فقال: ( أطْلِقُوا ثُمَامَة )، فأطلقُوه، فذهب إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل، ثم جاءه، فأسلم)). (زاد المعاد، ج3، ص 138). فهل هذا هو انتشار الإسلام بالمنطق والإقناع؟ هل اختطاف الناس وربطهم إلى سارية المسجد حتى يسلموا هو انتشار بغير السيف؟ وعندما كان النبي على مشارف مكة وذهب أبو سفيان ليجدد عهد قريش معه، فقبضوا عليه، وقال له النبي: (ويحَكَ يا أبا سفيان، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّى رَسُولُ الله)؟ قال: بأبى أنتَ وأُمى، ما أحلمكَ وأكرمَكَ وأوصلَكَ، أما هذه، فإن فى النفس حتى الآن منها شيئاً، فقال له العباس: ويحكَ أسلم، واشهد أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله قبل أن تُضَرَبَ عُنقُك، فأسلم وشَهِدَ شهادةَ الحق) (زاد المعاد، ج3، ص 212). ويقول ابن القيم كذلك: ( قال رسول الله (ص) بُعِثْتُ بالسَّيفِ بَينَ يدِي الساعةِ حتى يُعْبَدَ اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، وجُعِلَ رِزقي تحتَ ظِلَ رمُحي، وجُعِلَ الذِّلَةُ والصَّغَار على مَنْ خالف أمري، ومن تشبَّه بِقَومٍ، فهو منهم) (زاد المعاد، ج1، ص 7). فهل أتى البابا بشيء جديد لم يذكره المسلمون أنفسهم؟
وفي البرلمان المصري أعلن 115 نائبا بالبرلمان المصري رفضهم لتصريحات البابا. أليس هم نفس النواب الذين طالبوا في البرلمان بعدم الاعتراف بالبهائية؟ أما في بيروت ( فقد رد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني على كلام البابا. ورأى ان ادعاء نشر الدين بالسيف يصدر عن جهل، او يقصد تشويه حقيقة الدين الاسلامي.) فإذاً نستطيع أن نقول إن الطبري وابن القيم الجوزية وبن باز كانوا من الجهلاء لأنهم قالوا إن الإسلام انتشر بحد السيف.
وكرر نفس المفتي قباني أمس بياناً قال فيه: (إن ما صدر عن البابا بنديكت السادس عشر في محاضرته اخيراً ان تعاليم الإسلام لا تخضع لإعمال العقل، وان الفكر الإسلامي يرفض العمل بما ينسجم مع العقل، كما أن قوله ان الإسلام قد انتشر بحد السيف، كله غير صحيح بنصوص القرآن والسنةَ )
فدعونا نقرأ ما قاله ابن قيم الجوزية عن احترام العقل في الإسلام، قال: ( فإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذ بالنقل الصحيح، ورمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحطت حيث حطها الله وأصحابها ) (مختصر الصواعق المرسلة ص82-83 اختصار الموصلي). ويقول عبد الرحمن الوكيل: ( والداعون إلى تمجيد العقل، إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل ) (مقدمة كتاب: موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 1/21، نقلاً عن المشابهة بين المعتزلة الأوائل والمعتزلة الجدد، إعداد فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب).
وتصرفات المسلمين في جميع أنحاء العالم توحي بدوس العقول تحت الأقدام. فقد رأينا قبل عدة شهور عندما نشرت الصجيفة الدنماركية الرسوم الكاريكاتيرية عن النبي، أعطى المسلمون عقولهم إجازة طويلة المدى وجابوا الطرقات يحرقون ويدمرون الكنائس في بلادهم انتقاماً من الدنمارك، وكأنما حرق كنيسة في بغداد سوف يضير الدنمارك. والآن يتكرر نفس الشيء في غزة ونابلس وغيرها من بلاد المسلمبن، فقد سادت مدينة نابلس شمال الضفة الغربية اعمال شغب وتظاهره كبيرة رداً على تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر التي اثارت مشاعرجميع المسلمين في كافة ارجاء العالم ، حيث قام مسلحون بعد الظهر بإقتحام كنيسة كاثوليكية في حي الرافدية بعد ان اضرموا النار ببوابتها، في الوقت الذي أكدت فيه ذكرت مصادر امنية فلسطينية ان زجاجتي مولوتوف القيتا صباح اليوم السبت على كنيستين في نابلس من دون ان يتسبب الامر بضحايا او اضرار، فيما فتح مسلحون النار على كنيسة ثالثة خالية من المصلين. وهذا هو الحادث الثاني الذي يستهدف كنائس في الأراضي الفلسطينية، بعد أن شهدت غزة يوم أمس إلقاء قنبلة يدوية وثلاث عبوات ناسفة على جدار اقدم كنيسة للروم الارثوذكس في غزة دون ان يسجل سقوط ضحايا، اثر تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر حول الاسلام. (هنادي إبراهيم، إيلاف 16 سبتمبر 2006).
لماذا لا يحترم المسلمون عقولهم ودينهم ويردون على البابا في المحافل الدولية ووسائل الإعلام المختلفة رداً مدعماً بالمصادر يُثبت خطأ البابا، إن كان مخطئاً، بدل هذه المظاهرات الغوغائية التي تُثبت ما قاله البابا عن العنف في الإسلام وعدم احترام العقل.
والغريب أن الدكتور حامد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار لمّح بإعادة النظر في اتفاقية الحوار مع الفاتيكان في حال عدم الاعتذار باعتبار التصريحات المتطرفة تهدم وتنسف الجهود الايجابية التي بذلت منذ ربع قرن ونيف في سبيل تأصيل وبناء ثقافة الحوار والتعايش بين المجتمعات من خلال الحوار ما بين المنتدى الإسلامي العالمي للحوار وبين المجلس البابوي للحوار بين الأديان الفاتيكان.(الشرق الأوسط 17 سبتمبر 2006). فهل هناك حقاً حوارٌ بين الأديان والقرآن لا يعترف بأي دين غير الإسلام "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران، 85). "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (البقرة 161). وهل يستطيع رئيس المنتدى الإسلامي أن يشرح لنا النتائج الإجابية التي تمخض عنها حوارهم مع الفتيكان على مدى ربع قرن من الزمان؟ ثم أن الدولة السعودية التي ظلت تحاور الفاتيكان على مدي أربعين عاماً لا تسمح حتى الآن ببناء كنيسة في المملكة ولا تسمح لغير المسلمين بدخول مكة أو المدينة. فما فائدة الحوار مع أديان لا يعترف المسلمون بها أصلاً؟
وقد قال بعض الكتاب إن البابا قد أخطأ لأنه رئيس الكنيسة الكاثوليكية وليس فقط أستاذاً في الثيولوجي. ولكني لا أعتقد أنه أخطأ فيما قال لأننا يجب أن نحكم على الأديان بممارسات وفهم أتباعها لها. فإذا كان فهم الغالبية العظمى من المسلمين لدينهم يجيز لهم الإرهاب والقتل والدمار وذبح الآخر المختلف دون أي شجب من فقهائهم، فلا فائدة تُرجى من ترديد آيات مثل "لا إكراه في الدين" لأن المسلمين يقولون إن مثل هذه الآيات منسوخ. ويجب على البابا بصفته رئيس الكنيسة الكاثوليكية قول الحق مما كانت العواقب.





الموضوع الأصلي

No comments:

Post a Comment